مصانع الألبان
يشكل الحليب الخام الذي يرد من مزارع الإنتاج إلى مصانع الألبان المادة الأولية لتصنيع عدد كبير من منتجات الألبان المختلفة، مثل
اللبن الرائب والحليب المعقم والمبستر والجبن والزبدة والحليب المجفف، وغيرها. وتنص
قوانين معظم الدول على ضرورة بسترة pasteurization الحليب الخام أو تعقيمه sterilization في مصانع الألبان قبل استهلاكه لقتل الأحياء الدقيقة الممرضة
للإنسان والمحتمل وجودها فيه؛ وتنقيته وتخليصه من الشوائب وبقايا كريات الدم
البيضاء وخلايا الضرع المتهتكة بغية تحسين مواصفاته.
يتوافر في مصانع الألبان جميع الوسائل والمعدات
الضرورية لتعقيم الحليب الخام وتسلّمه وتخزينه مبرداً؛ ولتصنيع المنتجات اللبنية
المتنوعة منه ذات النوعية الجيدة والمتوافقة مع اشتراطات المواصفة القياسية الخاصة
بكل منتج وتخزينها في وحدات التبريد إلى حين تسويقها.
لمحة تاريخية
عرف الإنسان الحليب منذ قديم الزمان، واستخدمه
في غذائه مباشرة، أو بعد تحويله إلى منتجات لبنية أخرى، ولاسيما لدى الشعوب التي
تعيش على الرعي، واستخدمت طرائق بدائية في تصنيع منتجاته بالاعتماد على الأدوات
الخشبية وجلود الحيوانات. وقد وردت صناعة بعض أنواع الجبن في كتابات الإغريق
والرومان منذ قرون عدة قبل الميلاد، وذلك بترك الحليب يحمض طبيعياً أو بإضافة الخل
إليه. كما استخرجت الزبدة من الحليب، واستخدمت في الغذاء والدواء منذ 2000 سنة قبل
الميلاد. وعلى الرغم من أن صناعة الألبان قد قطعت في القرون الماضية مراحل عديدة
من التطور في مختلف المجالات، وتنوعت منتجاتها، وتحسنت نوعيتها، وتطورت معدات جمع
الحليب الخام وأساليبه، وكذلك تصنيعه؛ فإن هذه الصناعة بمفهومها العصري تعدّ حديثة
العهد. فقد بدأت على نطاق واسع وعلى أسس علمية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتطورت
تطوراً هائلاً في القرن العشرين، وقد ساعد على هذا التطور تقدم العلوم الأخرى
ولاسيما علم الأحياء الدقيقة. إذْ كان لاختراع بسترة الحليب عام 1865م على يد
العالم الفرنسي باستور وتطبيقها تجارياً عام 1885م في كل من هولندا والدنمارك والسويد؛
الفضل الأكبر لتطور هذه الصناعة في العالم، كما كان استخدام البادئات cultures أول مرة في الدنمارك
من قبل ستورك عام 1888م واختراع الفرَّاز separator عام 1879م من قبل السويدي غوستاف دي لافال Gustaf
de Laval واختراع المجنّس
عام 1899من قبل غاولين وتطور علم فيزياء المعادن وهندسة المصانع وأجهزة التحليل؛ دعامة
أساسية للتطور الكبير لهذه الصناعة ووصولها إلى وضعها الحالي.
تصميم معامل الألبان وشروط إقامتها
تهدف إقامة مصنع الألبان في مكان ما أساساً إلى:
تزويد السوق المحلية بمنتجات الألبان الضرورية، وتحقيق ربح تجاري مقبول للمستثمر،
ومن ثم لابد من توافر شروط عامة في مصنع الألبان؛ أهمها:
ـ توافر المادة الأولية للتصنيع (الحليب الخام)
بكميات تكفي لتلبية الحد الأدنى من الطاقة الإنتاجية للمصنع.
ـ توافر رأس المال الكافي المتحرك والثابت،
ويقصد برأس المال الثابت قيمة كل من المباني والمنشآت ووسائل الإنتاج والمعدات
والخطوط الرئيسة والثانوية للإنتاج.
ـ تحديد نوع مصنع الألبان وحجمه وعدد الخطوط
الإنتاجية فيه على أساس توافر الحليب الخام وكميته، ومقدار رأس المال الموظف في
التصنيع، وتوافر الإدارة الواعية والأيدي العاملة المدربة.
ـ توافر وسائل النقل الجيدة من المصنع وإليه.
ـ أن يكون المصنع قريباً من مصادر الحليب الخام
ومن الأسواق الاستهلاكية.
ـ توافر الأيدي العاملة في المنطقة.
ـ إمكانية تصريف مخلفات الصناعة.
ـ أن يكون بعيداً عن أي مصدر للتلوث بالميكروبات
أو السموم أو الروائح الكريهة، مثل سوق الماشية أو مصافي البترول أو المجاري
المكشوفة أو غيرها.
ـ توافر المياه بالكميات المناسبة والنوعية
الجيدة وتعدد مصادرها إن أمكن.
ـ اختيار الموقع الجيد والمناسب لمصانع الألبان
ونوعية البناء.
وفيما يتعلق بتخطيط البناء وتصميمه فيجب مراعاة
النقاط الآتية:
أ ـ الأخذ بالحسبان احتمالات التوسع المستقبلية،
وتوافر القوة والمتانة في البناء بحيث يتحمل الظروف الجوية من رياح وأمطار وثلوج.
ب ـ عزل أقسام الإدارة والمخابر عن الأقسام
المنتجة. وفصل الأبنية مختلفة الوظائف والخطوط الإنتاجية عن بعضها بعضاً بشوارع عريضة.
ج ـ اختيار النظام الطابقي في البناء لطابعها
الاقتصادي، وأن يكون ارتفاع البناء ملائماً لاستيعاب الآلات.
د ـ وضع خزانات تجميع الحليب الخام في مكان
مرتفع لتجنب الضخّ المتكرر.
هـ ـ بناء المستودعات والمخازن على مستوى خطوط
الإنتاج لتسهيل إدخال المواد والمنتجات الجاهزة وإخراجها.
و ـ أن تكون شروط العمل داخل المصنع جيدة، مثل
الإضاءة والتهوية والتدفئة والنظافة وغيرها.
ـ دراسة الجدوى الاقتصادية: على أساس
توافر الحليب الخام وسعره، ورأس المال الموظف وتكاليف الإنتاج المتوقعة وتأثيرها
في أسعار المنتجات وتسويقها، والتأكد من القوة الشرائية للمستهلك، ومدى حاجته إلى
تلك السلعة وغيرها.
- معالجة الفضلات وتصريفها:
تعدّ إقامة وحدة لمعالجة الفضلات المتخلفة عن
صناعة الألبان من الشروط الأساسية عند دراسة موقع المصنع وتنفيذه؛ وذلك لما لهذه المخلفات
من تأثيرات ضارة في البيئة إذا ما طرحت من دون معالجة؛ لارتفاع محتواها من المواد
العضوية، مثل البروتين والدهن وسكّر اللاكتوز وحمض اللبن، إضافة إلى بقايا مواد
التنظيف السامة والبكتريا الممرضة. وبعد التأكد من تحقيق جميع الشروط السابقة يمكن
تحديد المنتجات المرغوب في إنتاجها، مثل (الجبنة - والزبدة - والحليب المعقم)، ومن
ثم تحسب بدقة كمية الحليب اليومية الضرورية، وكيفية نقل كميات الحليب الخام
المطلوبة وتسلّمها، وتصميم خطوط الإنتاج وتوضع الآلات، وإقامة المنشآت المطلوبة
بما يتوافق مع الأهداف المعلنة.
أقسام مصنع الألبان
يتكون مصنع الألبان من عدة أقسام أهمها:
ـ قسم تسلّم الحليب الخام وتخزينه مبرداً: يتم
في هذا القسم فحص حموضة الحليب التي يحدد بموجبها قبول الحليب أو رفضه، ثم وزن
الحليب وتبريده وتخزينه في خزانات كبيرة الحجم إلى حين التصنيع.
ـ قسم الإنتاج: وهو أكبر أقسام مصنع الألبان، إذ
يتألف من عدة صالات للإنتاج حسب عدد خطوط الإنتاج التي في المصنع.
ـ قسم التخزين يتكون من قسمين: الأول؛ ويتألف من
عدة غرف كبيرة مبردة لتخزين المنتجات اللبنية الجاهزة بعد تصنيعها إلى حين
تسويقها. والثاني؛ يتألف من عدة مستودعات غير مبردة لتخزين المواد المساعدة في
الإنتاج، مثل مواد التعبئة والتغليف من زجاجات الحليب المعقم، أو العبوات اللدائنية
أو المعدنية، وغيرها من مستلزمات الإنتاج.
ـ القسم الخاص بالمخبر: يجهز بجميع الأجهزة
والأدوات والمواد الضرورية لفحص الحليب الخام وتقييمه، وكذلك المنتجات الجاهزة
وتحديد نوعيتها ومدى مطابقتها للمواصفات القياسية بكل منتج.
ـ قسم الإدارة والتسويق والخدمات المختلفة
الأخرى: ويضم مكاتب الإدارة والمرافق العامة من مطاعم وحمامات وصالة للبيع.
ـ قسم إعداد المياه المستخدمة في معامل الألبان، ويقسم إلى
ثلاثة أقسام، هي:
أ ـ قسم معالجة المياه لكي تصير صالحة للاستخدام
في المصانع؛ وذلك باتباع سلسلة من العمليات الآلية والكيمياوية بالترتيب الآتي:
- الترسيب والترشيح للتخلص من المواد العضوية
العالقة بالمياه.
- إزالة عسر المياه الناتج من وجود كربونات
الكالسيوم؛ والذي يسبب وجودها مشكلات عديدة، وأهمها ترسيب طبقة كلسية على سطح
ألواح التسخين مما يقلّل الناقلية الحرارية لهذه الألواح، كما أن العسر يسبب زيادة
كمية مواد الغسيل الضرورية.
- تعقيم المياه بالكلور للقضاء على الأحياء
الدقيقة الممرضة.
ب ـ قسم التزويد بالماء الساخن والبخار الضروريين
لعمليات التصنيع والغسيل، وذلك عبر دارة كاملة للتسخين، والتي تتضمن المرجل وملحقاته
الضرورية.
ج ـ قسم التزويد بالماء البارد الضروري لتبريد
منتجات الألبان بعد تصنيعها، أو لتبريد الحليب في دارة كاملة للتبريد بعد بسترته
أو تعقيمه.
خطوط الإنتاج
تتضمن أجهزة ومعدات مختلفة الوظائف ويمكن
تصنيفها وفق الآتي:
- أجهزة ومعدات عامة تستخدم في خطوط إنتاجية
مختلفة، وتشمل: أحواض تخزين الحليب الخام، ومبادلات حرارية صفائحية وأنبوبية
لتسخين الحليب وتبريده، وفرازات منقية وأخرى للدهن، وأنابيب وزوايا معدنية لربط
الأجهزة مع بعضها بعضاً، ومضخات لنقل الحليب، وصمامات للتوازن، ودارة التبريد
والتسخين للماء.
- أجهزة ومعدات خاصة بكل منتج، وهي متنوعة بحسب
المنتج، مثل الخضاض لصناعة الزبدة وأجهزة تكثيف الحليب وتجفيفه وتجميده لتصنيع
البوظة، كما يزود كل خط بآلة تعبئة وتغليف ولاسيما بالمنتج المصنّع. وكل هذه
المعدات والأجهزة يجب أن تصنع من معدن غير قابل للصدأ «ستانلس ستيل»
وغالباً ما تستخدم خلائط الأوستنتيك austenitic؛ وهي خلائط من الحديد والكروم خاصة الخليطة التي تحتوي على 18%
كروم و8% نيكل، ويمثل الشكل (1) رسماً تخطيطياً لبعض خطوط الإنتاج في مصانع
الألبان.
أحمد هلال