قواعد مهمة تضعك على الطريق الصحيح لتبدأ وتدير مشروعك بنجاح || 69


 

في عالم الأعمال وتأسيس الشركات، النمذجـة (Modeling) هي كل شيء. عندما يبدأ رائد الأعمال في وضع خطته التنفيذيـة لتأسيس أو إدارة شركة؛ فهو في الغالب يضعها مسترشدا بنموذج ريادي ما محلي أو عالمي يقوده إلى الطريق الصحيح، مستفيدا من إنجازاته ومتجنّبا إخفاقاته. دائما "النموذج" هو العنصر الأساسي الذي يجب أن يكون حاضرا في وعي رواد الأعمال والمديرين وقادة الفرق، سواء في الشركات الصغيرة، أو المتوسطة، أو الكبيرة حتى في بعض الظروف.

 

      

لهذا السبب تعجّ المكتبة الرياديـة بعدد هائل من "دراسات الحالات" (Case Studies) لشركات ومؤسسات حول العالم استطاعت أن تقدم إنجازات فريدة في ظروف استثنائية حوّلتها من مجرد انتصارات فردية إلى نماذج من المهم تعميمها وتصديرها للآخرين للاستفادة منها والسير على خطاها، مع الإقرار بضـرورة حفاظ كل مؤسسة وشركة على خصوصيتها النابعة من ثقافة مؤسّسيها ومديريها وخصوصية السوق الذي توجد فيه.

 

سواء كنت في مرحلة تأسيس الشركة، أو في مرحلة إدارتها للعمل على إنجاحها وحجز مكان في السوق، أو تتولى مهمـة توسعة مجالاتها، أو حتى تدير مرحلة الأزمات العاصفة. هذه النماذج المستمدّة من دراسات حالات واقعيــة لشركات كبيرة وصغيرة تمثّل دروسا إرشادية ستساعدك في مرحلة ما من مراحل مسيرتك الرياديـة.

 

عندما ترصد الأسماك في بحيرة مجاورة.. اذهب إليها

  

عندما تؤسس شركتك الناشئة، تستهدف مجالا معينا وسوقا محددا. هذا طبيعي، ولكن لا تجعل هذا الاستهداف ينسيك أن هناك أسواقا أخرى تتوسّع من حولك يمكنك أن تتوجّــه إليها وتبدأ في إلقاء شباكك لاستخراج الفـرص التي ربما لا تجدها في السوق التقليدي الذي افتتحت شركتك الناشئة لأجله. بالتدريج، هذه الأسواق "البديلة" قد تتحوّل إلى أسواقك الأساسية المستهدفة.

 

   

في عام 2007، قررت شركة آبل العمـلاقة تحويل اسمها وعلامتها التجارية من "آبل كومبيوترز" (Apple Computers) إلى "آبل إنكوربوريتد" (Apple Inc) كانعكـاس للتغييـر الجذري الذي حدث في مسار الشركة ودخولها إلى أسواق جديدة في تصنيع الهواتف والأجهزة الذكية بعيدا عن مُنتجاتها الأساسية التقليدية في صناعة حواسيب الماك. كان الوقت مناسبا تماما للتحول من مجرد شركة لتصنيع الحواسيب الآلية -وإن كانت ممتازة- إلى أسواق الهواتف الذكية التي لعبت فيها الشركة دور العرّاب بصدور الآيفون في عام 2007، ثم عالم الأجهزة اللوحية الذي بدأ في عام 2010.

   

بمعنى آخر، قامت شركة آبل بإعادة إطلاق نفسها من جديد لمساحات واسعة في السوق ولم تضيّق على نفسها في مجال واحد، وهذا التوسّع لم يساهم فقط في إنقاذها من أزمـاتها، بل كان السبب الأساسي في تحويلها إلى أكبر شركة تقنية في العالم. (1، 2)

  

الإنقاذ يأتي من الداخل أيضا

   

في خضم تطوير الشركة الناشئة، تبدو دائما الحلول الخارجية برّاقة وجاذبة. ستبدأ في استقطاب موظفين موهوبين من شركات أخرى، تبدأ في التفكير بشكل مستمر في الاستحواذ على شركات أخرى، دائما نظـرك موجّه إلى الخارج. وفي المقابل يبدأ اهتمامك بالتطوير الداخلي يتراجع باستمرار، باعتبار أن الخارج يمدّك بكل شيء.

 

شركة "سيسكـو" مرّت بحالة شبيهة، فمع النمو السريع في فقاعة التقنيـة في أواخر القرن الماضي ومطلع الألفية، قامت "سيسكو" بالاستحواذ في تلك الفتـرة على أكثر من 70 شركة ناشئة في زمن قياسي، تضم هذه الشركات السبعين قوة عاملة ضعف عدد الموظفين في "سيسكو" نفسها. وعندما حدث انهيار "فقاعة الإنترنت"، تعرّضت الشركة لخسائر كبيـرة أجبرتها على تغيير سياساتها بشكل مختلف تماما عن المسار الذي كانت تنتهجه.

 

بدأت "سيسكو" في التركيز على تنمية المهارات داخليا بدلا من استقطابهم من الخارج أو الاستحواذ بشكل كبير على شركات خارجية، لدرجة أنها أنشـأت "جامعة سيسكـو" التي تعمل على تأهيل الموظفين العاملين لديها وتطويرهم وفي الوقت نفسه كسب انتمـائهم. خلال ثلاث سنوات، استطاعت الشركة العودة إلى مكانها الطبيعي كواحدة من أكبر الشركات العالمية في مجال تقنية المعلومات والشبكات. (3، 4)

   

لا تحارب بمفردك.. اجعل من حولك يفهمون ما تفعله

  

أحيانا، يبدو النقاش مستحيلا لدرجة العبثية. المدير التنفيذي للشركة يضع إستراتيجيات وخططا للتحرّك في سبيل تطوير عمل الشركة، ليفاجأ باعتراضات عنيفة من مؤسسي الشركة أو مموّليها الذين ليس لديهم خبـرات واسعة في عالم الإدارة، اللهم إلا بعض التوجّهات العامة التي لا ترقى لمقـام فهم التفاصيل بشكل جيد. في هذه الحالة، يحدث ما يشبه الصراع على إدارة دفّة الشركة، ثم تؤول الأمور كلها إلى التراجع إن لم يكن الفشل الكامل.

 

الحل لهذه الأزمة هو أنه بدلا من تضييع الوقت والمجهود في النقاش، أن يتم وضع المشاركين والمساهمين في تأسيس الشركة في طريق التعليم الاحترافي لبناء أرضيـة ثابتة يمكن للجميع أن يناقش عليها وفقا لطرح متفهم لتفاصيل الوضع، ومن ثم اتخاذ قرارات سليمة. هذا ما حدث بالضبط في شركة "لولوليمون" (LuluLemon) الكندية التي تعتبر من أكبر متاجر تجزئة الأدوات الرياضية في العالم.

   

في عام 2008، عُيّنت مديرة تنفيذية جديدة هي "كريستين داي" بناء على رغبة مجلس إدارة الشركة في التوسّع بشكل كبير في السوق الكندي والعالمي. وكانت الاستعانة بكريستين داي بناء على خبراتها الواسعة السابقة مع شركة "ستاربكس" ودورها الكبير في المساهمة في توسّع علامتها التجارية حول العالم. ولكن، وبمجرد تعيينها مديرة تنفيذية للشركة، اصطدمت سياستها -المدروسة- بآراء مجلس الإدارة والمؤسسين بشكل حاد.

    

بدأت داي عملها في ضبط إيقاع الشركة والتوسّع بشكل مدروس حول العالم وسد ثغراتها، واستطاعت في الوقت نفسه أن تقنع مؤسسي الشركة في حضور برنامج إداري متقدم في جامعتي هارفارد وستانفورد، حتى يكونوا قادرين على فهم متطلبات السوق، ويكون لديهم الوعي بالتغييرات الكبرى التي تجريها داي في الشركة دون الاعتراض لمجرد الاعتراض.

    

وبالفعل، خلال فتـرة إدارتها للشركة استطـاعت أن تحوّلها من شركة تقدر قيمتها بنحو 350 مليون دولار، إلى شركة كبـرى تُقدّر قيمتها ببضع مليارات من الدولارات. (5، 6)

  

اقفــز خارج الصندوق

  

أحيانا، ومع التزام رائد الأعمال بنمط إداري معيّن مستوحى من نماذج معتادة في الإدارة والعمل، تبدو الأمور شديدة التعقيد، وأنه لا مخرج من هذا القالب سواء كان قالبا ناجحا أو فاشلا. الواقع أن هناك نماذج لشركات استطاعت الخروج تماما من الصندوق، وتطبيق معايير مختلفة تماما.

 

شركة "لينكولن إليكتـريك" تعتبر واحدة من أشهر الحالات الدراسية (Case Studies) الكلاسيكية لجامعة هارفارد، ومن أكثر النماذج تدريسا لطلبة إدارة الأعمال. الشركة الأميـركية الكبرى التي كانت تعتبر واحدة من أكبر شركات تصنيع منتجات اللحـام في أميـركا في منتصف السبعينيات. كانت هذه الشركة تقدم نمطا استثنائيا من الإدارة من النادر وجوده في شركات أخرى.

الشركة كانت تُدار بأسلوب جماعي. لم يكن هناك إدارة حقيقية أو نقابة، الشركة تمنح موظفيها حصصا من أرباحها، وتوكل الإدارة إلى عمّالها. أما بالنسبة إلى الأجور تحديدا، وهي من أكثر الأمور تفرّدا في الشركة، فقد كانت الشركة تمنح أرباحا متنوّعة وفقا لما يحققه العمّال من إنجازات في الشركة، وليس أرباحا ثابتة، وكان نمط توزيع الأجور شديد المرونة والسرعة. الأمر الذي جعل الموظفين والعمّال يحققون أرباحا هائلة أكثر من أي شركات أخرى.

 

كانت إستراتيجية شركة "لينكولن" غير اعتيادية، ولكنها كانت واضحة تماما وثابتة وناجحة في تحفيز العمال والموظفين لإظهار أقصى قدراتهم ومهاراتهم دون أي تعقيدات إدارية أو التفاف على حقوقهم. (7، 8)

  

 

سوف تضطـر للمقــامرة أحيـانا


في بعض الأحيان ستجد نفسك واقعا بين مطرقة السوق وسندان ضعف الإمكـانيات، وهو ما يجعل القرارات الصعبـة حاضرة على الدوام. الكثير من الشركات الكبيرة والناشئة تجد نفسها في هذا الموقف الذي يدفعها دفعا إلى الدخول في غابة المغامرات التي إما تقودهم إلى هلاك محقق، وإما تقودهم إلى مكاسب لم يكونوا يتخّيلونها. حالة كاملة من "مجبر أخاك لا بطل".

 

سوف تتحول إلى مقامـر في لحظة من اللحظات. هذا ما حدث بالضبط لشركة "نوكور" (Nucor) المتخصصة في إنتاج الحديد والصلب في الولايات المتحدة، عندما مرت الشركة بأزمة خلّدت اسمها في مراجع دراسات الأحوال للشركات. في عام 1986 وجد الرئيس التنفيذي للشركة كينيث إيفرسون نفسه في مفترق الطرق حائرا في اتخاذ قرار صعب بتبنّي تكنـولوجيا جديدة في صناعة وتجهيز الحديد والصلب، هذه التقنيـة ستسمح للشركة بتحقيق امتيازات هائلة وتصبح المحرّك الأول للسوق، وأيضا ستقلل التكاليف على المدى البعيد.

 

المشكلة أن هذا القرار بتبنّي التقنية الجديدة يحتاج إلى استثمار هائل سيكبّد خزينة الشركة استنزافا كبيرا بلا شك، فضلا أنه من غير المؤكد أن هذه التقنيـة تحديدا لم تُجرّب في الأسواق، وقد تفشل فشلا ذريعا في السنوات القادمة.

 

ومع تفكيـر وتخطيط دقيق، اتخذت الشركة قرارها بتأسيس مصنع كامل يستخدم التقنية الحديثة، وضخّت فيها أموالا طائلة، ما اعتبـره الكثيـرون أقرب إلى لعب القمـار منه إلى اتخاذ قرار رشيد. ومع ذلك، نجحت المقامـرة، واستطاعت التقنية الجديدة مساعدة الشركة في البقاء على قائمة أفضل مُصنّعي الحديد والصلب في أميـركا. (9، 10)

 

 

إذا خُيّـرت بين أمرين.. اخترهما معا!

 

في عالم الأعمال تكون الخيارات عديدة، وكل خيـار له ثمنه. من الشائع أن يقع رائد الأعمال في معضلة الاختيار بين خيـارين كل منهما قد يحمل فرصة عظيمة له ومشروعه، ولكن من النادر أن يقرر أن يختار كليهمـا في الوقت نفسه.

   

في عام 1989 تولّى الشاب ويليـام أفيـري إدارة شركة "كراون كورك آند سيل" (Crown Cork & Seal) المتخصصة في صناعة علب وحاويات المشروبات المختلفة، خلفا لجون كونيلي العجوز الذي كان رئيسا تنفيذيا للشركة واستطـاع حماية الشركة لأعوام طويلة في الأسواق. وجد الشاب نفسه مُطالبا بإعادة تحديث الشركة لتتواءم مع المتغيرات الجديدة، وذلك بتغييـر إستراتيجيات راسخة لمدة طويلة وضعها جون كونيلي. كان هذا الإجراء ضـروريا باعتبار أن اللعبة قد اختلفت، والسوق أصبح فيه منافسون جدد، والشركة تحتاج إلى دفعة كبيـرة للأمام، فضلا عن أن صنـاعة المعادة نفسها لم تعد تنبّئ بأنها ستظل بالقوة نفسها خلال السنوات المقبلة.

 

هنا، وجد ويليـام أفيري نفسه أمام خيـارين، إما أن يتوجّــه إلى إستراتيجية الاستحواذ، ويبدأ في التوسع في الاستحواذ على شركات أخرى تقوّي من مكانة الشركة، رغم أن هذه السياسة لا تعتبر ناجحة بشكل كبير في هذه الصناعة. وإما خيـار آخر هو التوسّع في إنتاج منتجات جديدة مثل المنتجات البلاسيتيكية. بمعنى آخر، إما توسّع أفقي في الاستحواذ على شركات أخرى، وإما توسّع رأسي في إنتاج منتجـات أخرى جديدة تُضاف إلى المنتجات التي تصنّعها الشركة.

   

كان قرار ويليـام هو السير في الاتجاهين. بدأت الشركة في الاستحواذ التدريجي على شركات أخرى من جهـة، في الوقت نفسه الذي قامت فيه بالتوسّع في إنتاج منتجـات جديدة، وهو ما جعلها اليوم تنتج علبة واحدة من كل 5 علب مشروبات حول العالم، أي خُمس علب المشروبات التي تُباع في العالم. (11، 12)

          

في النهاية، صحيح أن كل نموذج من هذه النماذج يُستخلص منه درس ريادي عام، لكن هذا لا يعني أن جميعها قابلة للتطبيق في مؤسستك. قد تكون قابلة للتطبيق جزئيا، وقد تكون قابلة للتطوير من طرفك وفقا لظروف السوق والمجال والبيئة الحاضنة للأعمال. يكفي -في كل الأحوال- أن تضع هذه التجارب في اعتبارك أثناء خوضك لرحلتك الريادية، وسوف توسّع لك مجال الرؤية بلا شك!

المصدر

القائمة