ما تريد أن تعرفه عن تمويل المشروعات الناشئة وأهم مموليه وجولاته || 87


ما تريد أن تعرفه عن تمويل المشروعات الناشئة وأهم مموليه وجولاته

منذ اللحظة الأولى التي يطلق فيها أي رائد أعمال مشروعه الناشئ، في الغالب يضع نصب عينيه هدفا رئيسا: الحصول على تمويل خارجي بأسرع وقت ممكن لمساعدته في بناء شركته الناشئة، ويرفع عن كاهله مشقة الإنفاق عليها من جيبه الخاص. بشكل عام، من الصعب جدا أن تحقق الشركات الناشئة نجاحا كبيرا على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي إلا بدعم تمويلي وفنّي من جهات داعمة تطوّر وتسرّع من نجاح الشركة، وتضخّم مستوى أرباحها. والطريق إلى التمويل يمر بعدة مراحل، كل مرحلة منها تعبّر عن مستوى العلاقة بين رائد الأعمال والمستثمـر، ومدى التوافق بينهما في الأفكار والرؤى والذي يتم ترجمته إلى دعم مالي يدفع الشركة الناشئة من مرحلة الكيان الصغير إلى -أحيانا- الكيان العابر للقارات.

  

أطراف اللعبة وقواعدها

قبل أي شيء، ينبغي أن نشير إلى طرفي اللعبة. الطرف الأول هو أنت، مؤسس الشركة (Founder) مع مؤسس شريك (أو شركاء) (Co Founders)، قمتم ببناء نموذج أوّلي لفكـرة ريادية وحوّلتموها إلى نواة شركة. الهدف الأساسي بالنسبة لك ولرفاقك هو أن تحصل على تمويل (Fund) لشركتك، يساعدها في الوقوف على قدميها، التوسع، تعيين المزيد من الموظفين، تسديد الالتزامات، توفير الغطاء النقدي، والأهم: التسريع بحصولها على عملاء أكبر للحصول على أرباح أكبر. وكلما بدأت الشركة في النمو، وأصبحت أكثر نضجا، أنت ورفاقك تبدأون في الدخول إلى مراحل تمويلية مختلفة، تبدأ المرحلة الأولى بالتمويل البذري (Seed Fund)، ثم جولات التمويل المتتالية المعـروفة باسم "A, B, C" وكل منها له معاييره الخاصة.

  

على الجهـة المقابلة، يأتي الطرف الثاني في اللعبة: المستثمـر المُحتمل. هذا الطرف قد يكون فردا -رجل أعمال مستثمـرا- لديه أموال مهتم باستثمـارها في شركتك، يُطلق عليه اسم: المستثمر الملائكي (Angel Investor). أو أن يكون هذا المستثمر عبارة عن كيان أو شركة متخصصة في ضخ الأموال لتمويل الشركات الناشئة، وعادة ما يُطلق عليها: شركات رأس المال المغامر (Venture Capitalists) أو (VC) للاختصار.

  

وكأي مُستثمـر، فإنه من المُستبعد أن يموّل مشروعك لأغراض خيرية، وإنما من باب المنفعة المتبادلة (Win – Win Situation)، انطلاقا من مبدأ: سنموّل مشروعك وسنساعدك على النمو وسوف نيسّر لك السُّبل لكي تحقق نجاحات كبرى، مقابل اقتطاع نسبة من ملكيـة الشركة، وهو ما يوازي ثروة ممتازة في مراحل لاحقة يجنيها المُستثمـر كعائد مرتفع القيمة عندما تحقق الشركة عوائد كبيرة.

  

إذن نحن لدينا شركة يسعى أصحابها إلى التمويل من ناحية، ومستثمـر يسعى إلى شركة لتمويلها من ناحية أخرى. تبقى الخطوة الأساسية في هذه اللعبة -بمراحلها المختلفة- هي عملية "التقييم" (Valuation)، حيث يقوم المحللون من طرف المستثمـر بتحليل قيمة الشركة المتوقّع ضخ الأموال فيها. التقييم يعتمد على العديد من المعايير تشمل مستوى فريق العمل المؤسس للمشروع، حجم السوق (Market Size) الذي يعمل فيه المشروع، مستوى المخاطرة (Risk)، الخطة التشغيلية للشركة ومدى قوّتها للانتشار في السوق وتحقيق الأرباح، وغيرها من العوامل.

  

التقييم (Valuation) -بمعناه الشامل وليس فقط معناه المالي- يعتبر الأساس الذي يقوم عليه قرار أي جولة تمويلية لأنه يعبّر بشكل دقيق عن حجم الشركة الناشئة وتوقعات تطورها في المستقبل القريب والبعيد ومن ثمّ تحديد قيمة التمويل المستهدف الذي يجب أن يضعه المستثمر في الشركة. 

  

المعاناة: ما قبل البذرة

  

أول مرحلة من مراحل تمويل المشروعات هي ببساطة المرحلة التي تقرر فيها أن تنفق فيها من جيبك الشخصي لبناء الملامح الأولى للشركة. تسمى هذه المرحلة بمرحلة "ما قبل البذرة" (Pre seed funding)، وهي مرحلة بعيدة تماما عن جولات الاستثمـار الخارجية. في هذه المرحلة ستقوم ببناء مشروعك بأموالك الخاصة وبأموال الشركاء المؤسسين من الصفر، وربما تضطر إلى طلب المساعدة من زملائك وأقاربك لتوفير الأموال الأساسية لإطلاق المشروع.

 

كم المبلغ المطلوب توافره في تلك المرحلة؟ تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على طبيعة الشركة والتكاليف المبدئية الواجب استثمـارها لتحويلها من فكـرة تجارية إلى بدايات مؤسسة، فضلا عن طبيعة اقتصاد الدولة وقوة عملتها. هناك شركات ناشئة تبدأ بجمع ألفي دولار، وهناك شركات أخرى تبدأ بـ 5000 دولار، وهناك شركات ثالثة يستطيع مؤسسوها توفير 10 آلاف دولار ومئات الآلاف من الدولارات لإطلاقها.

  

هذه المرحلة من مراحل إطلاق المشروع هي الأصعب على الإطلاق قطعا، لأنها تعني المخاطرة المُطلقة. ستبدأ أنت وشركاؤك في الإنفاق من جيوبكم على مشروع لا تعرفون إن كان سيُكتب له النجاح بشكل كامل أم لا، واحتمالية الفشل قائمة بدون شك. لذلك، فإدراتك لهذه المرحلة بشكل صحيح واجتيازها بنجاح سيكون بمنزلة همزة الوصل لمرحلة الاستثمـارات الخارجية.

  

التمويل البذري.. الانفراجة

  

غالبا هي المرحلة التي يتنفّس فيها مؤسسو الشركات الناشئة الصعداء، وتزدهر آمالهم بأنهم ابتعدوا قليلا عن الحافة. التمويل البذري (seed Funding) هو أول مرحلة من مراحل التمويل الخارجي الذي تحصل عليه شركتك الناشئة في مرحلتها المبكّـرة (Early Stage) من مستثمر ملائكي أو شركة رأس مال مغامر أو مسرّعات أعمال.

  

عملية تأسيس شركة ناشئة في النهاية شيء قريب جدا من زراعة نبتة ما ومراعاتها بالعناية حتى مرحلة النمو والنضج، لذلك سُمّي التمويل الأول بهذا الاسم "تمويل بذري" دلالة على إلقاء البذور الأولى التي تساعد على إنبات النبتة وتنمية الشركة من خلال تحقيق الأساسيات الأولى التي تضمن نجاح أي شركة  تطوير المنتج والبدء في تأسيس قاعدة مستخدمين وتحقيق مستوى جيد من الأرباح التي تضمن بقاء الشركة ونموّها التدريجي، حتى تتحوّل النبتة إلى "شجرة".

  

بشكل عام، لا يمكن وضع إطار محدد للتمويل البذري الذي يساهم به مستثمر أو مؤسسة أو حاضنة أعمال، إلا أنه على المستوى العالمي -على مستوى وادي السيليكون كمثال- فالمعتاد أنه يتراوح ما بين 10 آلاف دولار إلى مليوني دولار، بحسب نوعية الشركة واحتياجاتها وتوقعات المستثمـر بنجاح الفكـرة وحماسه لدعمها، فضلا عن الاتفاقات بين مؤسسي الشركة والمستثمـرين بخصوص تقييم نشاط الشركة والاستثمـار المطلوب والنسبة التي سيحصل عليها المستثمر في المقابل.

  

في الواقع، قد يكون التمويل البذري هو أول وآخر ما تحصل عليه الكثير من الشركات الناشئة دون الاستمرار في حصد جولات تمويلية لاحقة؛ فبحسب إحصائية أجرتها مؤسسة "CB insights" على أكثر من 1000 شركة أميـركية ناشئة حصلوا على تمويل بذري ما بين العامين 2008-2010، فقط 46% من هذه الشركات استطاع المرور إلى جولة تمويلية أخرى، ما يجعل التمويل البذري المرحلة الأكثر جوهرية في حياة المشروعات الناشئة. 

  

جولة التمويل A.. الخطوة الأولى لانطلاقة كبيرة

  

بمجرد أن تبدأ الشركة في تحقيق تطوّر لا بأس به في مسيرتها -أو ما يُطلق عليه "Track Record"- ويصبح لديها قاعدة من المستخدمين ومستوى ثابت من الأرباح -حتى لو كان بسيطا- وعدد ثابت من الموظفين وغيرها من عوامل كفاءة الأداء الأوّلية، فضلا عن تطوّر فكـرتها وملاءمتها للسوق بشكل لافت؛ فإن هذه الشركة قد تكون مؤهلة للحصول على جولة تمويلية (أ) (A series Fund) التي تتيح لها التطوير في نواحٍ معينة.

   

بشكل عام، جولة التمويل "A" غالبا يكون هدفها الأساسي هو التطوير والتحسين (Optimization). تطوير المنتج ليكون قادرا على المنافسة بشكل أكبر في السوق، تطوير نموذج العمل التجاري للشركة لتوليد أرباح بعيدة المدى، تغطية الأجور للموظفين الذين تم توظيفهم، إنجاز المزيد من أبحاث السوق (Market Research). التطوير والدفع والتقوية للمنتج والخدمة التي تقدمها الشركة الناشئة هو الهدف الأساسي من هذه الجولة التمويلية.

  

المستثمـرون المساهمون في هذه الجولة التمويلية أكثر ما يهمّهم هو النظر في أمرين: الفكـرة، والإستراتيجية التي تحوّل هذه الفكـرة إلى نجاح كبير يعود بمردود جيد. وبالنسبة لكلٍّ من المؤسسين والمستثمـرين، تعد هذه الجولة تحديدا الجولة المحورية باعتبارها أهم ركلة مادية ومعنوية تحصل عليها الشركة الناشئة من ناحية -مما يزيد تقييمها بشكل كبير-، وأيضا تُمثّل مخاطرة للمستثمـرين لأنها بمنزلة أول رهان استثمـاري كبير يضخه المستثمـرون في الشركة بناء لتوقعاتهم بنجاحها في المستقبل.

  

جولة التمويل "A" هي عادة المرحلة الأصعب تأمينها بالنسبة لروّاد الأعمال مؤسسي الشركات الناشئة، وفي الكثير من الأحيان تفشل الشركات الناشئة في تأمين الجولة التمويلية "A" على الرغم من نجاح شركاتهم في حصد تمويل بذري (seed fund) وتلبيتهم لكافة الشروط المطلوبة للحصول على هذا التمويل، وهي ظاهـرة معروفة في عالم ريادة الأعمال باسم "انهيار الجولة A" أو (Series A Crunch)، حيث تتعقد عملية الحصول على التمويل لأسباب عديدة. (7) وبالطبع لا يمكن تحديد إطار ثابت لقيمة الجولة التمويلية "A" لأنها تختلف باختلاف البلد الذي يعمل فيه المشروع، لكن على المستوى العالمي يمكن القول إن قيمة التمويل في هذه المرحلة تتراوح ما بين 2-15 مليون دولار.

  

جولة التمويل B.. الباء للبناء

  

يمكنك أن تقول إن الجولة التمويلية باء هدفها هو البناء (B For Building). في هذه المرحلة، المنتج موجود بالفعل في الأسواق وله علامته التجارية، المستثمـرون يبدأون في التوجّه لتمويل الشركة بمخاطر أقل -أقل من الجولة "A"- باعتبار أن الشركة قامت على قدميها بالفعل، وأن الخطوة المقبلة هي المزيد من البناء بهدف اقتطاع المزيد من حصة الشركة في السوق أمام المنافسين.

  

العنوان الأبرز لهذه المرحلة هو: التركيز على "تنمية العمل" أو (Business Development)، ضخ الأموال لقطاعات المبيعات والإعلانات والدعاية والتطوير التقني والدعم الفني والتوسّع في التوظيف وفتح أسواق جديدة. وعلى المستوى العالمي، عادة ما تكون الجولة "B" التمويلية تتراوح ما بين 7-10 ملايين دولار، وبالطبع يُمثّل دفعـة جديدة لقيمة الشركة السوقية بعد حصولها على هذه الجولة. في الكثير من الأحيان تكون الجولة التمويلية "B" مؤلّفة من المستثمـرين الرئيسيين أنفسهم الذين استثمـروا في الجولة "A" مع إضافة المزيد منهم الذين جاءوا للاستثمـار في الشركة في ظل أوضاع أكثر أمانا واستقرارا مقارنة بالجولة السابقة. 

  

جولة التمويل C.. حان وقت التوسّع

وصول شركة ناشئة ما إلى مرحلة الحصول على جولة تمويلية "C" هو إشارة إلى أن هذه الشركة حققت نجاحا كبيرا يؤهلها للتمدد. لذلك، فإن هذه الجولة التمويلية هدفها الأساسي هو التركيز على مساعدة الشركة في التوسّع الكبيـر (Scale Up) الذي يضمن لها الانتشار في أسواق أخرى إقليمية وعالمية، أو تطوير منتجات وخدمات جديدة، أو حتى أن تقوم هذه الشركة بالاستحواذ على شركات أخرى لتتحوّل إلى شركة قائدة في السوق (Market Leader).

  

بمعنى أكثر اختصارا، جولة التمويل "C" تركز بشكل كامل على التمدد (Scale Up) للشركة، دفعها للنمو والانتشار في أسواق جديدة بأسرع طرق ممكنة تعود بالمزيد من الأرباح الضخمة. هذا التمدد إما أن يكون بمساعدة الشركة على الاستحواذ على شركات أخرى منافسة لها، وإما بفتح أسواق جديدة لها لمنافسة آخرين وتحويلها من شركة ناشئة محلية محدودة إلى شركة إقليمية وعالمية، مما يساهم في ارتفاع هائل لقيمة الشركة الناشئة لتتحول إلى لاعب رئيس في السوق العالمي في مجالها.

    

  

كون هذه الجولة التمويلية لا تحتوي على مخاطر تقريبا -مقارنة بالجولة "A"-، باعتبار أن الشركة بالفعل أثبتت نجاحا كبيرا في السوق من خلال نموذجها التجاري، فإن عددا كبيرا من المستثمـرين واللاعبين قد يُشكّلون تحالفا كبيرا يقود هذه الجولة يضم مستثمـرين وشركات استثمار مغامر وبنوك ومؤسسات كبرى جميعها تسعى للاستثمـار الآمن في شركة ناجحة بالفعل.

  

في أغلب الأوقات، تكون الجولة التمويلية "C" هي آخر جولات التمويل الخارجي التي تحصل عليها الشركات الناشئة، باعتبار أنها تتيح بالفعل استثمارا كبيرا يجعلها تحصل على أرباح كبرى من توسعها الإقليمي والعالمي. ومع ذلك، بعض الشركات تستمر في الحصول على جولات تمويلية أخرى يُطلق عليها "D" و"E"، وهي امتداد للجولة التمويلية "C" بالحصول على المزيد من الأموال لضخها للمزيد من التوسعات.

  

الخطوة التالية بعد جولة التمويل "C" وأخواتها تكون عادة الاكتتاب العام (IPO)، بل قد يكون هو الهدف الأساسي لهذه الجولة التمويلية بالأساس. فحصول الشركات الناشئة المميزة على جولة تمويلية "C" كبيـرة يكون هدفها في العديد من الأحيان رفع قيمتها السوقية إلى حد كبير يسمح لها بالاكتتاب في البورصة بسعر كبير للأسهم، أو من ناحيـة أخرى أن ترتفع قيمتها بشكل كبيـر يجعل من أي صفقة استحواذ عليها تتجاوز المليـارات، ومن ثمّ يربح جميع المستثمـرين الذين ألقوا بأموالهم في تمويل الشركة أرباحا كبيـرة.

               

في النهاية، المشوار الذي تمرّ به أي شركة ريادية ينقسم عادة إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة ضبط النموذج التجاري حتى يثير انتباه المستثمرين ومن ثمّ الحصول على تمويل جيد. المرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الحصول على التمويل، واستغلال التدفق المالي لإنشاء الشركة وتوسعتها وتحقيق أرباح متعاظمة منها بأفضل وأسرع الطرق الممكنة. كلتا المرحلتين لهما أساليب إدارة خاصة، ولهما تحدياتها الخاصة أيضا.

المصدر

القائمة