بيبسي وكوكاكولا شركتان بينهما حرب تنافسية طاحنة مستمرة لأكثر من مئة عام. ورغم تفوق بيبسي على كوكاكولا في اختبارات الطعم التي أطلقتها بيبسي منذ عام 1975 تحت اسم "تحدي بيبسي" في المتاجر ومراكز التسوق، فإن كوكاكولا هي الفائزة دائما في حربها التجارية مع بيبسي. ([1])
في (أكتوبر/تشرين الأول) عام 2004، نشر صامويل ماكلور، الباحث في قسم علوم الأعصاب بكلية بايلور للطب في الولايات المتحدة الأميركية، ورقة بحثية توضح أنه على الرغم من تفوق بيبسي على كوكاكولا في اختبارات الطعم التي قاموا بها فإن المشاركين يفضلون كوكاكولا لاعتبارات سلوكية تنطوي على ارتباط كوكاكولا الدائم بالعائلة والذكريات السعيدة والأوقات الجيدة. ([2])
قد تتساءل لماذا كوكاكولا هي الفائز دائما رغم أن بيبسي تتميز بالطعم الأفضل؟ بالتأكيد التسويق الجيد والاستخدام المكثف للإعلانات هو ما عزز تقدم كوكاكولا ودفعها إلى الأمام رغم تميز بيبسي بالمذاق الأفضل، إذ إن كوكاكولا كانت تنفق ما يزيد على 20% من إيراداتها على التسويق لإدراكها أن التسويق هو العمود الفقري المسؤول عن نجاحها وصمودها أمام منافسها الشرس. ([3]) وانطلاقا من الأهمية الكبرى للتسويق في نجاح العلامات التجارية أو فشلها، نستعرض خلال هذا التقرير مجموعة من أهم وأفضل الحملات التسويقية والدعائية في تاريخ بعض الشركات والعلامات التجارية.
دي بيرز.. عندما يخلق التسويق حاجة أبدية للمنتج
إذ جلست في ليلة هادئة لتستمتع بمشاهدة فيلم رومانسي من أفلام هوليوود، سوف تلاحظ البطل يجثو على إحدى ركبتيه أمام حبيبته يُقدِّم لها خاتما من الألماس طالبا الزواج منها، مشهد دراماتيكي بحت، لكن دعنا نبتعد عن المشهد قليلا ونتساءل؛ لماذا يُقدِّم خاتما من الألماس تحديدا دون الذهب أو الفضة أو حتى أحد الأحجار الكريمة الأخرى؟
ترجع القصة إلى عام 1938، عندما بدأت تنحدر مبيعات الألماس في الولايات المتحدة الأميركية بسبب الكساد الاقتصادي خلال هذه الحقبة. مما دفع شركة "دي بيرز" (De Beers) -وهي مؤسسة عالمية تستحوذ على السوق العالمي لتعدين وتصنيع وتجارة الألماس- إلى اللجوء إلى الوكالة الإعلانية "إن دبليو أير" (N. W. Ayer) التي تأسست عام 1869 وتُعرف بأنها أقدم وكالة إعلانية في الولايات المتحدة الأميركية، للاستفسار عما إن كان استخدام الدعاية بأشكال مختلفة قد يُعزز بيع الألماس في الولايات المتحدة من عدمه. ([4])
بدأت وكالة "إن دبليو أير" في إجراء الدراسات الاستقصائية واسعة النطاق للتعرف على مواقف المستهلكين من الألماس، ووجدت أن معظم الأميركيين يعتقدون أن الألماس من الرفاهيات التي تناسب الأشخاص فاحشي الثراء، وأنهم يفضلون إنفاق أموالهم على أشياء أخرى مثل شراء منزل أو سيارة جديدة أو حتى شراء بعض الأجهزة المنزلية. رغم ذلك تمسكت وكالة "إن دبليو أير" بهدف غاية في الطموح ألا وهو دفع فئة أكبر من المستهلكين لشراء الألماس في خضم هذا الاقتصاد السيئ. أدركت الوكالة أنها مضطرة إلى تسويق الألماس لمستهلكين في مستويات دخل مختلفة، وبالطبع كان الحل السحري هو ربط شراء الألماس بالعاطفة التي تدفع أي شخص إلى اتخاذ قرار الشراء، لكن كيف؟ ([5])
رأت "إن دبليو أير" أن الصلة الأقرب لربط الألماس بالعاطفة هي الزواج، لذا كانت الخطة التي اتبعتها الوكالة هي خلق حالة يشعر فيها أي شخص مُقبل على الزواج بأنه مجبر على شراء خاتم من الألماس لزوجته المستقبلية. مبدأ خاتم الخطوبة أو الزواج كان موجودا على نطاق ضيق منذ العصور الوسطى وقبل الحرب العالمية الثانية، فخلال تلك الفترة كانت 10% فقط من خواتم الخطوبة أو الزواج مكونة من الألماس.
ولأن شركة "دي بيرز" كانت تسيطر على الإمدادات العالمية من الألماس الخام، فكانت قوانين مكافحة الاحتكار تحظر عليها ممارسة الأعمال التجارية أو الدعائية التي تروج لها أو لمنتجاتها، لذلك كلّفت وكالة "إن دبليو أير" بعض الفنانين مثل أندريه دراين (André Derain) لرسم بعض اللوحات وشراء لوحات بعض كبار الفنانين مثل لوحات سلفادور دالي وبيكاسو الموجودة سابقا. بينما جعلت الوكالة اختيار الشعار المناسب للحملات الدعائية متروكا لماري فرانسيس جيريتي، التي تم توظيفها لكتابة إعلانات المنتجات النسائية. ([6])
في مساء يوم عمل حافل عام 1947، كانت ماري تُفكر في كلمات الإعلان التي ستقدمها خلال اجتماع صباح اليوم التالي، وقبل ذهابها إلى النوم مباشرة وفي لحظة عابرة من الإلهام لمعت كلمات الإعلان في عقلها. في صباح اليوم التالي قدمت ماري هذه الكلمات الثلاث "الألماس إلى الأبد" (A Diamond Is Forever) إلى شركائها في الاجتماع، لكن لم يكن أحد متحمسا لهذا الشعار بتاتا. رغم ذلك أَسَر هذا الشعار مشاعر شركة "دي بيرز" لأنه ربط الألماس بعلاقة شبه أبدية كالزواج. ([7])
أرادت وكالة "إن دبليو أير" أن تجعل الألماس في كل مكان، فاستخدمت أدوات التسويق التقليدية مثل الصحف والراديو وبدأت في إقراض المجوهرات للمشاهير ونجوم هوليوود. وفي عام 1950، كانت قد ارتفعت معدلات بيع الألماس في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 55%. وبعدما كانت واحدة من كل 10 عرائس تمتلك خاتما من الألماس، بحلول عام 1951 أصبحت 80% من العرائس تمتلك خواتم من الألماس. ([8])
رغم بساطة هذه الكلمات فإنها حققت طفرة في سوق الألماس مما جعلها شعار شركة "دي بيرز" منذ عام 1947 وحتى يومنا هذا. الدرس الذي يجب أن يتعلمه المسوقون والعاملون في مجالات التسويق والإعلان من هذه المسيرة الحافلة بالنجاحات والتفكير بعيدا عن الإطار النمطي هو إمكانية خلق الحاجة إلى المنتج أو الخدمة الخاصة بهم. كون المنتج أو الخدمة ليس عليها طلب قوي في الوقت الحالي لا يعني أبدا أنه لا يمكن استخدام التسويق في إنشاء حاجة جديدة لهذا المنتج.
فولكس فاغن.. فن تحويل العيب إلى ميزة
في عام 1938، وفي مدينة فولفسبورغ الألمانية، كانت تقوم شركة صناعة السيارات حديثة النشأة "فولكس فاغن" بتصنيع سيارة صغيرة الحجم وبطيئة ويمكن القول إنها قبيحة أيضا تُسمى "فولكس فاغن بيتل" (Volkswagen Beetle). صُممت هذه السيارة من قِبل مهندس السيارات الألماني فارديناند بورشيه (Ferdinand Porsche) لتكون بمنزلة سيارة الشعب التي أرادها زعيم الحزب النازي وحاكم ألمانيا في ذلك الوقت أدولف هتلر. ([9])
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بنحو 15 عاما، وبالتحديد في عام 1959، كانت الولايات المتحدة الأميركية قوة عالمية واستهلاكية عظمى لا يُستهان بها. خلال تلك الفترة لم تكن السيارات مجرد وسيلة مواصلات للذهاب إلى العمل أو اصطحاب الأطفال من المدرسة، بل كانت من اتجاهات الموضة كالأزياء، وكانت سببا للتفاخر ودليلا على المكانة المرموقة. كان الأميركيون يميلون إلى شراء السيارات الأميركية الكبيرة، بينما لا تزال شركة "فولكس فاغن" الألمانية في تصنيع سيارتها البيتل.
السؤال الجوهري هنا هو كيف يمكن بيع هذه السيارة الصغيرة ذات الشكل الغريب والسرعة البطيئة المرتبطة بألمانيا النازية إلى دولة كالولايات المتحدة الأميركية التي كانت لا تزال تفيق من الخسارة الاقتصادية فضلا عن فقدان نحو 250 ألف عسكري بسبب الحرب العالمية الثانية التي أشعل فتيلها أدولف هتلر وحزبه النازي. لو تعرض أكثرنا لهذا السؤال ستكون الإجابة أن هذا الأمر مستحيل، لكن بفضل وكالة "دي دي بي" (DDB) الأميركية المتخصصة في الإعلان والتسويق والعلاقات العامة لم يكن الأمر مستحيلا.
في عام 1959، تعاقدت وكالة "دي دي بي" مع الشركة الألمانية "فولكس فاغن" من أجل إنشاء حملة دعائية جديدة لسيارتها البيتل، خلال تلك الفترة كانت جميع الحملات الدعائية الخاصة بالسيارات متجذرة في الخيال أكثر من الواقع لإقناع المستهلك بالشراء. لكن ما قامت به "دي دي بي" كان أمرا في غاية التميّز لدرجة أن الحملة الدعائية التي قاموا بها صُنّفت بأنها من أفضل الحملات الدعائية في القرن العشرين.
في عام 1960، انطلقت حملة شركة "فولكس فاغن" الدعائية التي حملت شعار "فكّر صغيرا" أو "فكّر بالأساسيات" (Think Small) وبدلا من الاعتماد على الطريقة التقليدية التي تتبعها الحملات الدعائية، ركزت هذه الحملة على توفير أكبر قدر ممكن من المعلومات الخاصة بالسيارة للقارئ. فكانت الحملة الإعلانية المطبوعة عبارة عن صورة صغيرة لسيارة "فولكس فاغن بيتل" في صفحة فارغة تماما إلا من جزء صغير في أسفل الإعلان يحمل شعار الحملة مع وصف دقيق لكل خصائص السيارة. هذا الفراغ كان من العبقرية الخالصة، فعند النظر إلى الإعلان ستجد السيارة على خلفية فارغة تماما، هذا الفراغ يبرز مدى جمال السيارة وجاذبيتها فضلا عن صغر حجمها. ([10])
بدلا من اعتماد الإعلان على المنافسة من خلال تسليط الضوء على الفخامة أو المساحة والفراغ، اعتمد على مناقشة سلبيات السيارة وتحويلها جميعا إلى مزايا. بدأ الإعلان بإبراز مدى صغر السيارة ثم سرد مزايا قيادة سيارة صغيرة الحجم ذات سرعة متوسطة ومحرك ذكي مقارنة بقيادة سيارة كبيرة الحجم ذات سرعة كبيرة ومُحرك تقليدي، بداية من سهولة الولوج إلى الأماكن الضيقة وسهولة الاصطفاف، مرورا بعدم تآكل الإطارات واستنزاف الوقود، وليس انتهاء بعدم استنزاف الزيت وبالتبعية عدم الحاجة إلى مضاد التجمد.
ما حققته هذه الحملة الدعائية من زيادة في المبيعات وزيادة الولاء إلى العلامة التجارية عبر تغيير التصورات الراسخة في عقول المستهلكين هو ما جعلها واحدة من أهم الحملات الإعلانية في القرن الماضي. فعندما أطلقت الحملة الإعلانية في عام 1959، باعت شركة "فولكس فاغن" نحو 120 ألف نموذج من سيارة البيتل. وبحلول عام 1967، وصلت مبيعات الشركة من هذا النموذج نحو 430 ألف سيارة، وهو ما مثّل أكثر من مبيعات السيارات المستوردة الأخرى مجتمعة، وأكثر من مبيعات معظم شركات صناعة السيارات الأميركية. ([11])
بي إم دابليو.. عندما تنفق الملايين لتدمير منتجك في الإعلان
"بي إم دبليو" (BMW) شركة ألمانية من جبابرة صناعة السيارات والمحركات في العالم. في عام 2000، بلغ إجمالي أرباح الشركة نحو 33 مليار دولار أميركي بانخفاض نحو مليار دولار عن إجمالي أرباح عام 1999 التي قُدّرت بنحو 34 مليار دولار أميركي. نتيجة لذلك بدأ الخوف يتسلل إلى قلب مديري "بي إم دبليو" في ذلك الوقت، فقرروا إعادة تشكيل الحملات الدعائية والإعلانية للشركة وتطويرها لاستهداف فئات أكبر من العملاء والمستهلكين. ([12])
أرسلت "بي إم دبليو" إلى وكالة "فالون" (Fallon) للدعاية والإعلان -التي تُعد شريكها الإعلاني طويل الأمد- من أجل خلق شيء جديد ومختلف تماما، وبالفعل أدّت "فالون" المهمة على أكمل وجه، حيث قامت بحملة إعلانية كسرت كل قاعدة من قواعد التسويق على طريقتها حتى أصبحت واحدة من أهم دراسات الحالة في كلية هارفارد للأعمال.
في ليلة هانئة في العام نفسه، كان ديفيد كارتر أحد المديرين المبدعين في وكالة "فالون" يجلس على طاولة مطبخه ويشاهد الإعلان الترويجي للجزء الثاني من فيلم "المهمة المستحيلة" (Mission: Impossible) للمخرج جون وو (John Woo) عبر الإنترنت. وفي ومضة إبداعية خاطفة جاءته فكرة الحملة الدعائية الجديدة لعملاقة صناعة السيارات "بي إم دبليو"، الفكرة كانت عبارة عن فيديو لمدة ساعة واحدة يتم بثه على شبكة الإنترنت في شكل مقاطع صغيرة تتراوح مدة كل منها بين 7 إلى 10 دقائق. ([13])
رغم معرفة كارتر بأن الناس لم تكن تستهلك كميات كبيرة من محتوى الفيديو في ذلك الوقت لأن ملف الفيديو الواحد عالي الجودة قد يستغرق تحميله ساعات طوال وربما أياما كاملة، فإنه أدرك جيدا أن فكرة مشاهدة فيديو بجودة السينما على جهاز الحاسوب المنزلي سوف يتردد صداه مع شركة "بي إم دبليو" مما يؤدي إلى زيادة شبكة عملائها وبالتبعية زيادة المبيعات.
في نهاية عام 2002، بدأت "فالون" و"بي إم دبليو" في الإعداد لحملتهم الدعائية الجديدة التي أطلق عليها اسم "تأجير" (The Hire). الحملة الدعائية كانت عبارة عن سلسلة مكونة من 8 أفلام قصيرة للبث عبر الإنترنت يختلف كل منها في المؤامرة والحبكة لكن تتشابه في القصة الرئيسية التي تنطوي على سائق مجهول يقود سيارات "بي إم دبليو" باحترافية فائقة، يتم تأجيره من قِبل أناس حياتهم في خطر لتوصيلهم إلى وجهتهم بأمان مقابل مبلغ ما أو جائزة معينة.
بدلا من الاعتماد على مخرج واحد ذي اسم شهير، اعتمدت "بي إم دبليو" على العديد من المخرجين المميزين تحت إشراف ورقابة شركة "أنونيموس كونتنت" (Anonymous Content) ومؤسسها المشارك المخرج الشهير ديفيد فينشر (David Fincher). نجح فينشر في إقناع مجموعة من أكبر مخرجي هوليوود بالعمل على هذه الأفلام القصيرة التي كان بطلها النجم كليف أوين (Clive Owen) في دور السائق المحترف.
بدلا من الاعتماد على إظهار سيارات "بي إم دبليو" في أبهى حلة خلال الأفلام القصيرة، اعتمد فينشر على الكثير من اللقطات التي يتم فيها تحطيم السيارات وإطلاق الرصاص عليها وإتلافها. وبدلا من اعتماد وكالة "فالون" على قناة تقليدية لنشر الحملة الدعائية الجديدة، قامت بنشر الأفلام الثمانية على شبكة الإنترنت بين عامي 2001 و2002، أي قبل إطلاق موقع يوتيوب بنحو 4 أعوام في 2005. بلغت تكلفة الأفلام الخمسة الأولى التي تم بثها في عام 2001 نحو 15 مليون دولار أميركي، بينما بلغت تكلفة الأفلام الثلاثة التي تم بثها خلال عام 2002 نحو 10 ملايين دولار أميركي. ([14])
رغم أن الفكرة نظريا كانت في غاية الغرابة فإن الحملة الدعائية أحدثت ضجة كبرى بالفعل، وبدأت سلسلة الأفلام في القفز والوصول إلى المهرجانات السينمائية وحصد الكثير من الجوائز، حيث كانت هذه الحملة أول حملة إعلانية تفوز بجائزة التيتانيوم في مهرجان "كان ليونز الدولي للإبداع" (Cannes Lions International Festival) على الإطلاق. يؤكد ذلك ري إيناموتو، نائب رئيس المكتب الإبداعي لأفلام "بي إم دبليو"، فيقول: إن أفلام "بي إم دبليو" أحدثت ضجة كبيرة عند إطلاقها، وكان هذا هو النوع الأول من المحتوى الإعلاني الذي يهتم به الناس للحد الذي يدفعهم للانتظار ساعات من أجل مشاهدته. ([15])
بالتأكيد ما يهم "بي إم دبليو" هو أن تُترجم هذه الضجة والنجاحات التي حققتها الحملة الإعلانية إلى زيادة في المبيعات، وهو ما حدث بالفعل. ففي عام 2001، ارتفعت مبيعات شركة "بي إم دبليو" نحو 12% عن عام 2000. وبحلول عام 2002، ارتفعت مبيعات الشركة إلى 17.2% عن عام 2001، في حين أن الشركات المنافسة مثل "فولكس فاغن" و"جنرال موتورز" تعثرت وانخفضت مبيعاتها إلى حد كبير. وبحلول يونيو/حزيران عام 2003، كانت الأفلام الثمانية تمت مشاهدتها أكثر من 45 مليون مرة، في حين أن الهدف الأصلي كان الوصول إلى مليوني مشاهدة فقط. ([16])
بروكتر أند غامبل.. واللعب على العاطفة
التسويق العاطفي والتسويق المرتبط بالنوستالجيا والحنين إلى الماضي دائما ما يلعب على وتر حساس جدا لدى جميع البشر بلا استثناء، لذا يُعد من أكثر تكتيكات التسويق التي تدفع الناس إلى اتخاذ قرارات الشراء لمنتج معين أو خدمة ما. هذا بالطبع ما اتبعته شركة "بروكتر أند غامبل" (Procter and Gamble) المنتجة للمواد الكيميائية والمنظفات والصابون والشامبو والمنتجات الصحية للطفل والأسرة في حملتها الدعائية عام 2012. ([17])
بدأت الحملة الإعلانية لشركة "بروكتر أند غامبل" مع بداية التجهيزات لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في لندن عام 2012. ورغم أن الحملة كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا ببداية الألعاب الأولمبية فإنها كانت موجهة إلى الأمهات بشكل أساسي عبر شعارها المكون من 3 كلمات ألا وهي: "شكرا يا أمي" (Thank You Mom). لكن ما العلاقة بين بداية الألعاب الأولمبية وبين إنشاء حملة دعائية لمنتجات التنظيف والغسيل التي تهم الأمهات في الأساس؟
هذا ما وضّحه مارك بريتشارد، مدير التسويق ومسؤول بناء العلامة التجارية في شركة "بروكتر أند غامبل"، فقال: مع بداية الألعاب الأولمبية يتم اختيار الرياضيين في جميع أنحاء العالم لتمثيل بلادهم في هذا الحدث الرياضي المهم، نحن في "بروكتر أند غامبل" نعلم جيدا أن الاستعداد للولوج إلى دورة الألعاب الأولمبية يبدأ في مرحلة الطفولة، وخلف كل هؤلاء الرياضيين الذين سيأتون إلى لندن في 2012 يوجد أشخاص يدعمونهم ويهتفون لهم دائما أكثر من أي شخص آخر ألا وهم أمهاتهم. لذلك نحن نستخدم صوتنا في دورة الألعاب الأولمبية لشكر الأمهات في كل مكان. ([18])
في عام 2012، وقبل بداية الألعاب الأولمبية بنحو 5 أشهر، تم إطلاق حملة "شكرا يا أمي" في وقت واحد في جميع أنحاء العالم، كانت الحملة الدعائية عبارة عن فيلم قصير تحت عنوان "أفضل وظيفة" (Best Job) يوضح دور الأمهات في تربية ودعم الرياضيين أبطال الأولمبياد من أنحاء العالم كافة. لم تعتمد "بروكتر أند غامبل" على قنوات التسويق التقليدية وحسب، بل لجأت إلى قنوات التسويق الرقمية أيضا، وأصبحت الحملة الإعلانية الخاصة بها في كل مكان بداية من الصحف والجرائد المطبوعة مرورا بالتلفزيون وليس انتهاء بالإنترنت ووسائل التواصل والشبكات الاجتماعية. ([19])
رغم أن هذه الحملة الدعائية لم تكن بالقوة الإبداعية التي تميزت بها بقية الحملات الدعائية التي نناقشها فإنها كانت فرصة عظيمة وسرعان ما استغلتها شركة "بروكتر أند غامبل" بنجاح. فإضافة إلى ما قدمته الحملة الدعائية من حثٍّ للشباب على الاجتهاد والتفوق، وإضافة إلى القيمة المجتمعية التي أضافتها الحملة عبر تقوية الروابط الأسرية بالأمهات، فإنها زادت مبيعات شركة "بروكتر أند غامبل" بنحو 500 مليون دولار أميركي في أقل من عام واحد، كما حصدت عددا لا بأس به من الجوائز الإبداعية. ([20])
قطارات مترو ملبورن.. وطرق الموت الغبية
في عام 2012، أرادت شركة "قطارات مترو ملبورن" في مدينة ملبورن الأسترالية توجيه رسالة بسيطة لتعزيز سلامة الأطفال والشباب وتحذيرهم من التجول حول السكك الحديدية ومسارات القطارات القريبة، لأن هذا التجول عادة ما ينتج عنه نتائج مؤسفة بداية من الجروح البسيطة والإصابات العميقة انتهاء بالموت. وبدلا من الاعتماد على الإعلانات النموذجية مثل لافتات الخطر وعلامات التحذير داخل محطات القطارات، أوكلت شركة "قطارات مترو ملبورن" المهمة إلى وكالة الإعلان الإبداعية "ماكان" (McCann) في ملبورن لتقدِّم لنا تحفة إبداعية مميزة. ([21])
لم ترد وكالة "ماكان" تقديم إعلان يشبه إعلانات إدارة الخدمة العامة التقليدية الكئيبة، لذا قاموا بالحملة الدعائية على طريقتهم الخاصة. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، أطلقت وكالة "ماكان" الحملة الإعلانية التي أنشأتها لـ "قطارات مترو ملبورن" تحت شعار "طرق غبية للموت" (Dumb Ways to Die). الإعلان كان عبارة عن فيديو كرتوني قصير لا يتجاوز 3 دقائق لكنه غاية في الروعة والبساطة والفكاهة أيضا، جمع الفيديو بين عنصرين أساسيين هما الموسيقى الجذابة وشخصيات الرسوم المتحركة ذات التصميم المميز إضافة إلى إضفاء بعض من روح الفكاهة والكوميديا السوداوية.
يحتوي الفيديو على مجموعة من الشخصيات الكرتونية المميزة التي تتمايل في خفة وتوضح العديد من الطرق البسيطة أو السخيفة التي قد تؤدي إلى الموت، وبالطبع التجول حول مسارات القطارات أو بالقرب منها واحدة من هذه الطرق. أطلقت وكالة "ماكان" و"قطارات مترو ملبورن" الحملة الدعائية عبر كافة قنوات التسويق التقليدية والرقمية بداية من اللافتات المطبوعة والملصقات مرورا بالراديو والتلفزيون وليس انتهاء بيوتيوب وآي تيونز وشبكات التواصل الاجتماعي مثل وفيسبوك