في الأونة الأخيرة, و بالضبط منذ عامين و نصف من الزمن بدأنا نسمع اصواتا متعالية و داعمة لما يسمى Crowd Funding او تمويل الجمهور و الذي ترجم على الواقع في بلدان غربية أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية و دول القارة العجوز ” أوروبا طبعا ” و تأتي لمساعدة اصحاب الأفكار الطموحة و المقبولة لبناء مشارعهم اعتمادا على تبرعات الناس .
في هذا المقال الذي يرغب القائمون على مجلة اراجيك تقديمه لكم سنحاول الاحاطة بكل بساطة و وضوح شركات الـ crowd funding أو التمويل الجماعي لفهمها و فهم الية عملها و اهدافها و تأثيراتها على عالم الأعمال و ايضا واقعها هنا في العالم العربي .
هناك الكثير من الناس حول العالم يملكون افكارا رائعة يمكنها أن تحدث في عالمنا تغييرات ايجابية سواء على المستوى البيئي أو الاجتماعي أو الفردي او حتى التقني و على مستويات اخرى تهمنا جميعا , لكن التحدي الذي يمكن أن يقف عائقا و حاجزا أمام ترجمة تلك الأفكار الى واقع ملموس يتجلى في عدم توفر هؤلاء على المال و السيولة الكافية لتمويل مشاريعهم و توطينها على واقعنا المعاش , على هذا الاساس يلجا هؤلاء الى جمع التبرعات من اقاربهم و معارفهم للبدء في مشارعهم و ذلك وفق اعتراف صاحب الفكرة بفضل المساهمين او اعطائهم امتيازات او هدايا عينية كنسخة من المنتج مجانا. لكن المشكلة التي واجهت أنذاك أصحاب الافكار كانت هي قلة المساهمين و انحصار ذلك على الاقرباء و الاصدقاء و أفراد العائلة مع وجود خلافات قد تؤدي الى سحب المساهمات او ايقاف الدعم مستقبلا ما يؤدي دون شك لفشل تلك المشاريع و اختفاءها عن الوجود
و انطلاقا مما سبق جاءت شركات الـ crowd funding أو التمويل الجماعي و ذلك من أجل القضاء على هذه المشكلات و هذا ما تم بالفعل حيث توفر لأصحاب الافكار طرح افكارهم وتحديد سقف مادي لتنفيد المشروع ليتلقى بعدها مساهمات مادية من المعجبين بالفكرة و التي تختلف من شخص الى اخر و هكذا الى ان يحصل على المبلغ المطلوب و يبدأ في المشروع و من تم الوفاء بالوعود التي اعطاها للمساهمين
منذ بداية ظهور شركات و منصات الـ crowd funding و الى الأن لاحظنا و ما زلنا أن هناك اختلاف في طريقة عملها و مساعدتها للمفكرين و المبدعين على تحقيق احلامهم بناء على مساعدة الاخرين فقد اعتمدت بعضها على التبرع والحصول على هدايا بالمقابل و ابرزها في هذا الصدد شركةkickstarter.com اما النوع الثاني فيحصل المشاركون من خلالها على فائدة من أموالهم و ابرز الشركات التي تتيح ذلك نجد kiva.org , من جهة أخرى نجد نوع ثالت من تلك الشركات يعتمد على إعطاء الداعمين أسهما في المشاريع التي يدعمونها و ذلك وفق قانون JOBS Act الذي تدعمه و تتبناه كل من الولايات المتحدة و بريطانيا اضافة الى فرنسا
كما نجد أن منصات الـ crowd funding لا تدعم كلها جميع المشاريع أو مشاريع من نوع محدد فهناك منها ما يدعم المشاريع الخيرية و منها ما يدعم فقط الابتكارات في مجال البيئة و منها أيضا ما يدعم الاختراعات التقنية اضافة الى اخرى تساند جميع انواع المشاريع وفق تصنيفها الى تقسيمات منطقية و عرضها للمساهمين بشكل منظم
و لا ننسى أن بتوسع مجال هذه المنصات و انتشارها عاليما اصبح بعضها مخصصا بأوروبا فقط و البعض الاخر بروسيا و دول البلقان أما البعض الاخر فيدعم اغلب دول العالم ان لم نقل جميعها
هذه الشركات لا تتطلب الا امرين اساسيين الأول الشهرة و الانتشار العالمي أو الجغرافي المحدد و الثاني الحصول على اناس مستهدفين و بالضبط نوعين الأول اصحاب افكار يفتقرون الى السيولة و الثاني اناس مهتمين و لديهم وسائل الدفع و السيولة للتبرع و المساهمة و قد توفر هذا الامر بفضل الاهتمام المتزايد من قبل الناس بالمشاريع و الاعمال على الشبكة العنكبوتية اضافة الى توفرهم على بطاقات الدفع و السحب عبر الانترنيت و ازدياد الوعي ازاء كون التبرع بالمال لتحقيق التقدم الاجتماعي امرا واجبا على الجميع
مع الانتشار الكبير لشركات التمويل الجماعي أصبحنا نسمع اكثر و اكثر حول مشاريع ناجحة غيرت مجالات و ساهمت في تحسين العمل و الحياة على مستويات عدة بفضل تمكن اصحابها من جمع الاموال اللازمة لتنفيدها و هو ما تم فعلا و من أبرزها مشروع تحويل النانو ايبود الى ساعة الذي نجح في جمع 941.648 دولار و ايضا مشروع تطبيق Dark Sky لتوقع أحوال الطقس بدقة و الذي نجح في جمع 39,376 دولار العام الماضي
هناك مشاريع اخرى ناجحة على هذه المنصات و منها ساعة Pebble watch التي تتصل بأجهزة الهواتف الذكية و تنبهك برسائل الكترونية و مكالمات و رسائل قصيرة و ايضا منصة العاب Ouya المنافسة للاكس بوكس و البلايستيشن و التي تعمل على منصة الاندرويد و لا ننسى ان اللائحة طويلة في هذا الصدد و لا تتعلق بمنتجات التكنولوجيا و التقنية فقط بل ايضا بمجالات اخرى
الحقيقة الواضحة للجميع هي ان شركات و منصات crowd funding أو التمويل الجماعي تساهم بطريقة مباشرة في تغيير و تطوير عالم الاعمال فالمشاريع الناجحة من خلال هذه المنصات تساعد في خلق اسواق جديدة على ارض الواقع و توفر أعدادا مهمة من فرص الشغل .
من جهة اخرى قد تدفع هذه المنصات البنوك الممولة للمشاريع و المؤسسات التمويلية الى اعادة التفكير في اساليب اعطاءها القروض لأصحاب المشاريع و التي تتسم بالضغط و التضييق على هؤلاء الذين اختاروها بدلا من التمويل الجماعي
كما أن هذه المنصات تمنح فرصة لا تعوض للجماهير كي تختار منتجات المستقبل عوض أن تفرض عليها من قبل الشركات العملاقة و هذا ما سيدفع الشركات المنتجة في مجالات الانتاج المختلفة الى اعادة صياغة افكارها و التوجه اكثر نحو الابداع و احترام عقول المستهلكين و ذلك بتطوير المنتجات تطويرا كليا و ليس جزئيا في كل مرة و بمقابل مادي مهم دون ان يحصل المستهلك على مراده الذي يمكن ان يتحقق له بدعم الافكار الشعبية و الواقعية على منصات الـ crowd funding أو التمويل الجماعي.
هذا بالنسبة لما يمكن لهذه المنصات ان تحدثه على عالم الاعمال بشكل ايجابي أما اذا ألقينا الضوء على الجانب السلبي في هذا الصدد فسنجد أن منصات الـ crowd funding أو التمويل الجماعي ساهمت و ما زالت تساهم في سرقة الافكار من طرف الشركات العملاقة و المنتجين الاغنياء و هذا ما رأيناه مع العديد من المنتجات التي توجهت الشركات العالمية لتبنيها مؤخرا بل ذهب الأمر الى افشال بعضها بالتبليغ عنها من قبل الشركات الاحتكارية وأبرز مثال على ذلك قيام ابل بافشال مشروع انتاج شاحن POPالذي يشحن كل انواع أجهزة آبل بما في ذلك الـ IPhone من دون الحاجة إلى أي محول adapter و ذلك بالتبليغ عنه لدى منصة Kickstarter ما ادى الى سحب كل المبلغ المالي و إرجاعه لكل الممولين الذين دعموا المشروع ليموت في مهده.
للأسف الأفكار الجديدة و التي يمكن ان تضيف قيمة في مجتمعنا لا تطبق هنا في العالم العربي و مهد الدين الاسلامي الذي يجعل من التبرع أمرا مهما وواجبا اذا كان المال المتبرع به سينفق على شيء سينفع الانسانية و سيساهم في تحقيق التقدم المنشود
و الى حد الأن ليست هناك شركات معترف بها في هذا المجال تكون عربية و تساعد على جلب الممولين للشباب العربي وذلك لتطبيق افكارهم و خلق فرص الشغل و التشجيع على الابتكار و التبرع للأخرين , لكن مؤسسات ثقافية و اخرى لها مكان في الانترنيت تساهم في خلق وعي بضرورة انشاء منصات الـ crowd funding و بضرورة المشاركة فيها سواء بالافكار او بالمال و لعل المبادرات التي تقوم بها مؤسسات ثقافية عربية في هذا المجال لأبسط دليل على هذه الجهود التي مازالت متواضعة و تحتاج الى المزيد من التعاون بين اصحاب الافكار و أصحاب الوسائل و الادوات لتوطينها على الواقع.
لاشك ان منصات crowd funding لها اهمية كبيرة في عالم الاعمال اليوم اذ فتحت للجماهير اسواقا جديدة توفر منتجات بحاجة لها و في نفس الوقت تخلق فرص شغل يمكن ان تقضي على العشرات من حالات البطالة حول العالم لهذا أعتقد شخصيا أنه وجب على شبابنا العربي التعاون و التكفل كل بخبراته هذا بخبراته البرمجية و هذا بتجاربه في عالم التسويق و هذا بحنكته في التجارة الالكترونية … لننتج منصة واحدة على الأقل تجمع في مكان واحد المبدعين و الممولين و الجمهور المتحمس للأفكار الرائعة كي يكون مجتمعنا أفضل بفضل المشاريع الرائعة و الهادفة و بعيدا عن كل ما يهدم اخلاق المجتمع و يعيده خطوات الى الخلف.