بدأت الفكرة تلوح في الأفق منذ عام 2008 كان من شأنها أن تغيّر العالم، وأن تبدّل قواعد اللعبة الماليّة. أتحدث هنا عن مواقع التمويل الجماعي أو ما يُعرف اصطلاحًا بـ crowd funding، تلك المواقع الّتي جاءت كمتنفس للمبدعين ورواد الأعمال؛ لأنّها أولًا ساهمت في زيادة حريّتهم الماليّة، وثانيًا لأنّها ساعدت في تخليصهم من سلطة المستثمرين، هذا ولا ننس أنّ بعض المشاريع لم تكن لترى النور لولا هذه الفكرة العبقريّة.
فكرة مواقع التمويل الجماعي بسيطة للغاية، وهي قائمة غالبًا على مجموعة كبيرة من الأشخاص الّذين يتبرعون بمبالغ قليلة، وبالتالي تكون النتيجة النهائيّة مبلغًا كبيرًا من المال، فإذا استطعت إقناع مليون شخص بأنّ يعطيك كل منهم دولارًا واحدًا، فستمتلك في النهاية مليون دولار.
لكن المتبرعون لا ينفقون أموالهم غالبًا هكذا بدون مقابل، بل ينتظرون نتيجةً لهذا الإنفاق، وتختلف النتيجة الّتي ينتظرها هؤلاء المتبرعون حسب نوع خدمة التمويل الجماعي، حيث يوجد عدة أنواع لهذه الخدمات نذكرها بشيء من الإيجاز.
في هذا النوع يقوم صاحب المشروع بعد نجاح تمويل مشروعه، بتقديم مجموعة من الجوائز للمتبرعين، وذلك حسب حجم تبرعه. تختلف الجوائز باختلاف المشروع، وهي تتراوح من كلمة شكرًا إلى نموذج من المنتج النهائي، فإذا كان المشروع يتمحور حول كتابة كتاب ما، فيحصل المتبرع على نسخة موقّعة من صاحب المشروع، وإذا كان المشروع عبارة عن جهاز تقني يحصل المتبرع على نسخة منه، وهكذا.
يقوم المتبرعون بجمع الأموال ومن ثم يستلمها صاحب المشروع على شكل قرض، ويجب عليه إعادة أموال المتبرعين بعد مدّة معينة متّفق عليها، فوائد هذا النوع التخلص من الحاجة للبنوك وشروطها التعجيزيّة في بعض الأحيان.
يلجأ الريادي عادةً لهذا النوع عندما يريد أن يجمع رأس مال ليبدأ شركته الناشئة، ويعتبر المتبرعون في هذه الحالة كمستثمرين، ولهم نصيب من أرباح الشركة في المستقبل.
لا ينتظر المتبرعون في هذا النوع أي جوائز أو فوائد من عملية التبرع، ولا يطالبون كذلك بأموالهم بعد فترة. يُستخدم هذا النوع بشكل أساسي في حالات الكوارث، والحروب بهدف تأمين مبلغ مال بشكل سريع لتخفيف معاناة المتضررين. كما يُستعمل هذا النوع في الحصول على دخل شهري من قبل المبدعين والفنانين.
بعد استعراضنا لهذه الأنواع الأربعة، حان الوقت لنقوم بجولة نذكر من خلالها أهم المواقع العالميّة والعربيّة الّتي تُقدّم هذه الخدمات.
يُعتبر من أوائل مواقع التمويل الجماعي، وله فضل كبير في انتشار هذه الظاهرة، ووضع أسسها. بدأ الموقع في العمل عام 2008، واقتصر في بادئ الأمر على تمويل الأفلام، ليزيد بعدها شيئًا فشيئًا دائرة المشاريع الّتي يقبلها، بدايةً من تأليف الكُتب، وليس انتهاءً بالمشاريع التقنيّة. يندرج الموقع تحت النوع القائم على الجوائز، ولكن يمكن جمع تبرعات لأعمال خيريّة كذلك.
أبرز المواقع المعروفة حاليًّا وأكثرها شهرةً، ومن أقدمها كذلك، يقوم الموقع بقبول طيف واسع من أنواع المشاريع بما في ذلك الأفلام والألبومات الموسيقيّة، والمشاريع التكنولوجية وغيرها. لهذا، الموقع شروط صارمة يفرضها حتى يقبل أحد المشاريع: الشرط الأول أن يكون المشروع قابل للمشاركة مع الآخرين، كجهاز الكتروني، أو كتاب، وبالتالي لا يقبل الموقع المشاريع الخيريّة أبدًا، الشرط الثاني أن يكون المشروع مشروح بالتفصيل، ومرفق بمقاطع الفيديو وبالصور اللازمة، مع خطة للتنفيذ وإنفاق الأموال، الشرط الثالث عدم جمع الأموال بهدف تنفيذ مشاريع محظورة أو خطرة.
يعتمد الموقع على طريقة الكل أو لاشيء، بمعنى أنّ صاحب المشروع لا يحصل على أي أموال قبل الوصول إلى الهدف الّذي وضعه في البداية، وإذا لم يصل إلى هدفه يخسر كل ما جمعه.
يندرج الموقع تحت النوع القائم على الجوائز والحوافز، وكان في بداياته مقتصرًا على دعم المشاريع الفنيّة، ولكنه الآن يدعم مشاريع متنوعة كمشاريع العلوم، والتعليم، والأعمال التجاريّة. بمجرد عرض مشروعك وتقديم طلب، ستنتظر لمدة 72 ساعة ريثما يفحص القائمون على الموقع طلبك، وفي حال الموافقة تبدأ عملية جمع الأموال.
منصّة أُخرى تعتمد على نظام الجوائز، وتركز على تمويل المشاريع الابتكاريّة. موّلت هذه المنصة العديد من الأعمال والأفكار، وبدأت مؤخرًا بالتركيز على المبتكرين الصغار.
تندرج هذه المنصة تحت النوع القائم على الاستثمار، وبالتالي تهدف هذه المنصة إلى ربط ريادي الأعمال مع المستثمرين. توّفر المنصة كذلك مكانًا يجمع رجال الأعمال مع مقدمي الخدمات الّتي يحتاج إليها أي مشروع، كالخبراء في كل المجالات، بالإضافة إلى العملاء والشركاء بهدف نقل الأفكار من العقول إلى أرض الواقع.
يندرج تحت النوع القائم على الاستثمار وهو من المواقع القديمة، فقد تأسس عام 2009. تحاول المنصة جمع مبالغ قليلة من مستثمرين كثر بغرض تمويل الشركات الناشئة، وكغيرها من المنصّات فإنّها تتطلب شرحًا وافيًا لكل مراحل المشروع، وبعد الاطلاع عليها والموافقة تبدأ رحلة التمويل.
من المنصات الّتي تندرج أيضًا تحت النوع القائم على الاستثمار نذكر منصّات Angel List وCircleUp و Crowdfunder ، حيث تشكل هذه المنصّات حلقات وصل بين المستثمرين وأصحاب المشاريع.
انتقلنا إلى منصة أُخرى ولكنها تندرج هذه المرّة تحت النوع القائم على القروض؛ ولذلك تُعتبر هذه المنصة مجتمعًا صغيرًا متعاونًا، يساهم كل فرد فيه بمساعدة وتحسين حياة الأفراد الآخرين، فإذا ما أراد أحد ما إكمال تعليمه أو بدء مشروع تجاري صغير، يمكنه طلب المساعدة لجمع المال، على أن يردّ هذه الأموال بعد فترة محددة.
هنالك مشكلة وحيدة في الموقع، وهي أنّ طلب القروض ممكن فقط في أراضي الولايات المتحدة، ولكن تمّ حل هذه المشكلة عن طريق وسطاء ينتشرون في أكثر من 80 دولة. يقوم هؤلاء الوسطاء بكفالة المتقدم، ومتابعة موضوع إعادة الأموال بعد انتهاء المدّة الموضوعة.
من المنصّات الحديثة حيث انطلقت في عام 2013، ومع ذلك من أشهر المنصّات، يقدّم المتبرعون الأموال في هذه المنصة دون مقابل تقريبًا، سوى رغبتهم في استمرار أحد المبدعين الّذين يقدّمون أعمال رائعة ومفيدة مثل: مقاطع الفيديو التعليمية والترفيهية، وغيرها.
تختلف هذه المنصة عن سابقاتها في أنّ المتبرع يلتزم بمبلغ شهري أو بمبلغ عن كل عمل جديد، وبذلك يضمن المستفيد من التبرّع راتبًا شهريًا يساعده على التفرغ لأعماله. للأسف هنالك العديد من المشاريع العربيّة المسجّلة على هذه المنصة وبالرغم من أنّها مفيدة جدًا إلّا أنها لا تُدعم بالشكل الكافي، يمكنكم الاطلاع عليها من خلال زيارة موقع باتريون.
من المنصات الأُخرى الّتي يمكنكم الحصول من خلالها على تبرع دون مقابل، بهدف إكمال تعليم أو الحصول على سكن نذكر Gofundme، crowdrise
بعد أن انتهينا من استعراض المنصّات الأجنبيّة لنذكر أهم المنصّات العربية الّتي تقدم خدمات التمويل الجماعي.
يمكن اعتبار هذه المنصة كنسخة عربية من منصة Kickstarter، وهي بالتالي قائمة على نظام الجوائز والحوافز، حيث يحصل المتبرع على جوائز متدرّجة على حسب مبلغ التبرع.
وُلدت هذه المنصة بعد تضافر جهود عدة شركات عربية كُبرى، وهي تتيح للمستخدمين طيف واسع من خيارات المشاريع الّتي يمكن طلب التمويل من أجلها، كالمشاريع التقنيّة والفنيّة. يجب على صاحب المشروع أن يحدد مبلغ يهدف الوصول له، وكذلك مدّة معينة للوصول إلى هذا الهدف، وفي حال لم يتحقق الهدف ضمن المدّة المطلوبة تُعاد الأموال إلى أصحابها، وهذه الخطوة تضمن قيام صاحب المشروع بطلب المبلغ المطلوب دون زيادة. يمكن قراءة المقال التالي لمزيد من الشرح.
من أوائل المنصّات الّتي ركّزت على العالم العربي، فقامت بالخطوة الأولى لنشر ثقافة التمويل الجماعي ولكن باللغة العربية هذه المرّة. نشأت هذه المنصة الّتي تندرج تحت النوع القائم على الاستثمار هذا الموقع في دبي عام 2011، وتتيح المنصة بذلك للمستثمرين شراء أسهم في شركات ريادية تسعى للنمو، وهو ما يعود بالنفع على كل من المستثمر ورائد الأعمال.
تعمل منصة يمكن.كوم بطريقة على الأشخاص الذين يملكون أفكار مبتكرة ويحتاجون للدعم المادي، ولكن ما يميزها عن غيرها أنّها تتيح لأصحاب الأفكار التعاون مع أصحاب الخبرات والمبدعين الآخرين، بحيث يطرح أحدهم فكرته ومن ثمّ يقوم الآخرون بتقديم حلول لتطبيق الفكرة، والحصول على جوائز في حال كانت الحلول مفيدة. بحسب موقع يمكن.كوم فإنّه يملك أكثر من 1500 مبتكر، مع 41 تحدّي معروض، وكذلك 135 فكرة مقدّمة، وأكثر 112 ألف دولار أمريكي قُدّمت كجوائز.
“أنت على بعد ضغطة واحدة من تغيير العالم”، هذه هي العبارة الأولى الّتي ستراها عند دخولك إلى موقع بسيطة، تلك الشركة الناشئة الّتي تأسست في عام 2014. طريقة عمل موقع بسيطة مختلفة عن غيرها وتعتمد بشكل مباشر على ضغطات المستخدمين. فعندما يقوم أحد المستخدمين بمشاركة أحد المنشورات أو بالتعليق عليها، أو بمشاهدة فيديو ما، يحصل المشروع على عدد من النقاط، وبعدها يقوم المستثمرون بتحويل هذه النقاط إلى نقود. بالتالي نجد أنّ بسيطة لا تطلب التبرع المباشر، وإنّما فقط التفاعل مع المشروع وترك الباقي عليهم.
تستهدف شركة ليوا الأردنية الشركات الصغيرة، وتحاول ربطها مع المستثمرين الراغبين بتمول هذه الشركات والاستثمار فيها. تقوم المنصة باتخاذ قرار التمويل ضمن 24 ساعة بعد الموافقة، وتُقدم هذا التمويل على ششكل قرض. تسدّد الشركة المستفيدة من تمويل القرض على شكل دفعات شهرية.
منصة تمويل جماعي للمشاريع المبتكرة، يمكن من خلالها للناس أن تدعم المشاريع ضمن ثلاثة طرق: الدفع نقدًا، أو اللعب، أو المشاركة. عند الدفع نقدًا يحصل المتبرّع على مكافآت من صاحب المشروع، وهي طريقة تكلمنا عنها كثيرًا. لكن يقدّم هذا الموقع طُرق أُخرى مثل: اللعب، فعندما يقوم الناس بلعب الألعاب على تينرا، فإنّ الأمر يجعل تمويل المشاريع أكثر جاذبية ومتعة، ويزيد رغبة الناس في الانضمام إلى حملات التمويل.